السلطة التقديرية للقاضي
السلطة التقديرية للقاضي
هي عملية يقوم بها القاضي أثناء بته في قضية معينة في سبيل تنزيل حكمه على الوقائع التي بين يديه والتي تتيح له إعمال تقديره الشخصي بناء على ما يسمح به القانون في تقدير العقوبة أو الإثبات أو تقدير الاعتقال أو الملاءمة في اتخاذ قرارات الحفظ أو المتابعة
ولقد منح القانون للقاضي هذه السلطة التقديرية في عدة مجالات، سواء أثناء مرحلة البحث التمهيدي أو التحقيق أو المحاكمة. وإذا كان القانون قد أتاح للقاضي هذه السلطة التقديرية، فإن هذا الأمر يطرح عدة تساؤلات حول ما إذا كانت المصلحة تقتضي أن تكون هذه السلطة مبنية على ضوابط ومعايير أو تركها لتقدير القضاة أنفسهم دون تحديدها بمعايير وضوابط ؟
ومن أجل مناقشة هذا الموضوع فإننا سنتطرق في مبحث أول لمجالات السلطة التقديرية اللقاضي، وفي مبحث ثان لضوابط استعمال السلطة التقديرية
المبحث الأولى السلطة التقديرية للقاضي مجال واسع
خول القانون للقاضي سلطة تقديرية واسعة في عدة مجالات ترتبط بالبحث التمهيدي والتحقيق والمحاكمة، فبمقتضى السلطة التقديرية التي خولها القانون للقاضي، يمكنه في إطار سلطة الملاءمة التي يملكها حفظ الشكاية، أو تحريك المتابعة أو تقديم الطعون والملتمسات واستنئاف القضايا التي يرى بأنها جديرة بذلك دون سواها، أو اللجوء إلى الصلح في مساطر معينة دون أخرى بالرغم من توفر الشروط القانونية لذلك، فهو لا يتقيد في ذلك بمعايير محددة بقدر ما يركن إلى استعمال سلطة الملاءمة في تقدير القرار الذي يرى بأنه جدير بالأخذ به.
نفس الشيء بالنسبة لقاضي التحقيق الذي يمكنه في إطار سلطته التقديرية إقرار المتابعة من عدمها وتقدير إخضاع شخص معين للاعتقال الاحتياطي أو بالمقابل إقرار المتابعة في حالة سراح أو إخضاع شخص معين للمراقبة القضائية واختيار التدبير المناسب من بين تدابير المراقبة، أو إصداره لبعض الأوامر، كقبول أو رفض الملتمسات التي تعرض عليه، تقدير حالة الاستعجال بشأن اللجوء التفتيش المنازل خارج الوقت القانوني، فكلها قرارات تتيح للقاضي إعمال سلطته التقديرية في اتخاذ القرارات التي يرى أنها مناسبة لظروف القضية المعروضة عليه.
ولا تنحصر هذه السلطة التقديرية في هذه المجالات فحسب، بل تمتد حتى التقدير وسائل الإثبات والحجج التي تخضع لتقدير القاضي الذي له أن يعتمدها أو يرفضها أو يعتمد بعضها ويرفض البعض.
وتتجلى مظاهرا هذه السلطة التقديرية بشكل واضح أكثر حينما يتعلق الأمر بتقدير العقاب.
فنظام العقوبة المنصوص عليه في القانون المغربي درج على تحديد حد أدنى للعقوبة وحد أقصى لها، يختار القاضي العقوبة التي يراها مناسبة بينهما. وفي بعض الأحيان يوجد فرق شاسع بين الحد الأدنى والحد الأقصى يصل إلى 25 سنة سجنا. كما هو الشأن بالنسبة للفصول
184 و188 و192 من القانون الجنائي الذي ينص
على عقوبة تتراوح بين خمس سنوات وثلاثين سنة، وللقاضي أن يقرر العقوبة التي يراها مناسبة بين هذين الحدين دون أن يكون مضطرة في ذلك التعليل قراره لما يملكه من سلطات واسعة ومهمة للقاضي في هذا المجال، بحيث لا يستند القاضي في ذلك سوى لقناعته الوجدانية
) نفس الملاحظة تنطبق على غيرها من النصوص القانونية كالفصل 595 الذي نص على عقوبة تتراوح بين 10 و20 سنة. الأمر الذي يطرح تساؤلا حول المعايير القانونية التي نص عليها القانون نفسه (كانعدام السوابق القضائية للمعني بالأمر ) أو المعايير القضائية التي يعتمد عليها القاضي حينما يقرر إصدار عقوبة معينة، كما لو كانت العقوبة في المثال السابق هي 15 سنة، فلابد من أن تكون للقاضي موجهات أو مرجعيات يستند إليها في حكمه بهذه العقوبة بدل الحكم بعقوبة السجن بعشر أو عشرين سنة مثلا
المبحث الثاني السلطة التقديرية للقاضي اية حدود؟
1 إن مظاهر السلطة التقديرية التي خولها القانون للقاضي جد واسعة ولا يسع المجال لذكرها وبعضها يتعلق بسلطة الملاءمة والآخر بتقدير الحجج والإثبات وبعضها بتفريد العقاب وتقدير العقوبة أو بتقدير الاعتقال أو إيقاف تنفيذ العقوبة أو ظروف التخفيف أو الخيار بين العقوبة الحبسية والغرامة و غيرها ومن بين الفصول التي تعطي سلطة تقديرية واسعة للقاضي في تقدير العقوبة نجد الفصول:
184، 188، 189، 192، 193، 509 ... من القانون الجنائي
إن الحديث عن السلطة التقديرية للقاضي بالنظر لما خوله له القانون من هامش كبير الإعمال هذه السلطة فيما يعرض عليه من القضايا التي يبت فيها، سواء تعلق الأمر بتقدير العقاب أو الإثبات أو غيرها تطرح أكثر من تساؤل بخصوص ما إذا كان يتعين وضع ضوابط أثناء استعمال هذه السلطة التقديرية من طرف القاضي وإخضاعها لمعايير قانونية أو قضائية أو موجهات أو على الأقل مؤشرات يضعها القانون، يتم الاستناد إليها واستعمالها في المجالات التي حددها القانون تكون بمثابة إطار لسلطة الملاءمة التي يتمتع بها القاضي في هذا الباب وإذا كانت الغاية من ترك السلطة التقديرية لأقاضي هي خلق التوازن بين تطبيق القانون واستحضار ظروف كل قضية وشخصية المجرم وظروف ارتكاب الجريمة، فإن ترك هذه السلطة...


إرسال تعليق