U3F1ZWV6ZTExMTcwMTA3NTA1NzNfRnJlZTcwNDcwNjk3MDA4MQ==

الحماية الجنائية للرسوم والمحررات العقارية في التشريع المغربي


 الحماية الجنائية للرسوم والمحررات العقارية في التشريع المغربي
الدكتور نور الدين العمراني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق ممكناس

الايماري أحد في أهمية المحررات الرسمية وصلتها الوثيقة بالمعاملات القانونية. فهي أداة لإثبات الحقوق والكشف عن مراکز قانونية، واستظهار عناصرها وحدودها

والرسوم و المحررات العقارية تحديدا، تكتسي أهمية وخصوصية مميزة، فهي وسيلة لإثبات وتحديد هوية كل عقار ومالكه على النحو الذي يجعله مؤمن الحقوق محصن المركز القانوني وكما هو معلوم، فإن كل تحفيظ يفضي إلى إنشاء رسم عقاري يعرف برسم الملكية أو التمليك، ينظمه محافظ الملكية العقارية، ويسجل بالسجل . أر الكناش - العقاري. ومن ثم يشكل الرسم العقاري نهاية المسطرة التحفيظ ولا يتأنى لهذه المحررات والرسوم أداء هذا الدور الحيوي الهام، إلا إذا منحها الأفراد ثقتهم و أمنوا بصدق البيانات التي تثبتها، دونما تغيير أو تحريف في مضمونها. أما إذا جاءت مخالفة للحقيقة، محرفة البيانات، فإن ذلك سيهدر الثقة العامة فيها، ويخل تبعا لذلك بالضمان واليقين والاستقرار في المعاملات من أجل ذلك كله، فقد حظيت المحررات الرسمية عموما . بما فيها المحررات وا لرسوم العقارية . بعناية خاصة من لدن المشرع المغربي، حيث خصها بالحماية الجنائية في مواجهة أي تلاعب أو مسام يستهدف تغيير مضمونها وتحريف بياناتها فما هي مظاهر الحماية الجنائية لهذه المحررات وتجلياتها " المحور الأول" وإلى أي حد وفق المشرع المغربي في ضمان حماية فعالة وناجعة للمحررات والرسوم العقارية؟ "المحور الثاني". المحور الأول: مظاهر الحماية الجنائية للرسوم والمحررات العقارية إن هذه الحماية تروم أساسا تحصين هذه المحررات من مظاهر التزوير والتحريف. وهي موزعة بين مقتضيات عامة واردة في صلب المجموعة الجنائية، تجرم تزوير المحررات الرسمية بصفة عامة، بما فيها الرسوم والمحررات العقارية، ومقتضيات خاصة مقررة في ثنايا القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري






أولا: تجريم تزوير المحررات الرسمية في إطار القانون الجنائي لم يفرد المشرع الجنائي المغربي نصوصا خاصة لتزوير الرسوم والمحررات العقارية في صلب المجموعة الجنانية، وإنما أخضعها للأحكام العامة لجريمة تزوير المحررات الفصول من 351 إلى 367 من القانون الجنائي). وقد عرف الفصل 351 ق ج تزوير المحررات بانه " تغيير الحقيقة فيها، بسوء نية، تغييرا من شانه أن يسبب ضررا، متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون" . وتغيير الحقيقة يعني إبدالها بما يغايرها أي تحريفها واستبدال واقعة صحيحة باخرى غير صحيحة، أو كما عبر عن ذلك بعض الفقهاء " إنشاء حقيقة مخالفة أو تحريف حقيقة قائمة" وهذا يقتضي وجود حقيقتين الزائفة منها هي العائلة في المحرر

: هذه الدراسة في أصلها مداخلة في ندوة وطنية نظمت بكلية الحقوق بمكناس في موضوع " قراءة في القانون 14 .07 السفر والمتمم لظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 "، بتاريخ 3 و4 ماي 2013 .

هذا ويعتبر كل تغيير يطرأ على عناصر المحرر تغييرا للحقيقة تقوم به جريمة التزوير، ولو لم يكن التحريف ينصب على البيانات الكتابية الواردة في المحرر، فالتزوير يشمل ايضا التغيير في المحرر ذاته دون المساس بما يتضمنه من كتابة أو بيانات ولذلك يعد مزورا من يغير الرسوم أو الخرائط المرفقة برسم عقاري أو ترخيص بناء مثلا وقد ميز المشرع الجنائي في هذا الصدد بين التزوير الذي يرتكبه الموظف العمومي المختص بتحرير المحررات الرسمية، بما في ذلك المحافظ على الأملاك العقارية والعاملين معه - والتزوير الصادر عن شخص آخر غير موظف. فقرر للموظف ، وكذا القاضي والموثق والعدل - عقوبة أشد من تلك المقررة الغيرهم وعلة هذه التفرقة في العقاب، أن التزوير الذي يرتكبه الموظف المختص ينطوي - بحد ذاته - على خيانة الثقة التي وضعتها الدولة فيه، حينما انتمنته على المحررات الرسمية التي تصدر باسم الدولة، وعهدت إليه برقابة صحتها وكفالة الحجية المطلقة لها وتزوير المحررات الرسمية قد يكون تزويرا ماديا، وقد يكون تزويرا معنويا فالتزوير المادي جاء النص

عليه في الفصل 352 ق.ج ويتم بتغيير الحقيقة بإحدى الطرق التالية : وضع توقيعات مزورة :إن التوقيع أو الإمضاء هو رمز الشخصية ودليلها، وتوقيع الشخص أو إمضانه . أو يصمته أوختمه . في محرر يعد دليلا على أن ماتضمنه المحرر قد صدر عنه، وحماية لذلك الإعتبار، اعتبر المشرع من طرق التزوير توقيع الشخص على محرر بإمضاء غير إمضائه، لأن الجاني بذلك يسند إلى شخص ما لم يصدر عنه

ويتم التزوير بهذه الطريقة ولو كان ما تضمنه المحرر أو الرسم العقاري الى الإمضاء المزور مطابقا للحقيقة تمام المطابقة، وذلك لأن تغيير الحقيقة هنا يتمثل في نسبة المحرر إلى غير صاحبه : تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع، ويتحقق عمليا إما بتغيير محرر أو رسم عقاري بأخر، أو بإدخال تغيير في الكتابة أو البيانات الواردة فيه ، سواء بالإضافة أو بالتعديل أو الحذف؛ كحذف كلمة أو عبارة أو رقم. كما يدخل في نطاق هذه الصورة تزييف أو تزوير التوقيع المذيل به المحرر • وضع أشخاص موهومين او استبدال اشخاص بأخرين، ويتم تغيير الحقيقة بهذه الطريقة بقيام الموظف العمومي. كالمحافظ على الأملاك العقارية أو الموثق مثلا - بإيراد إسم خيالي في المحرر، في حين لا وجود حقيقي لهذا الإسم، أو كتابة إسم شخص معين بدل إسم شخص أخر حقيقي، مع توافر القصد الجنائي : كتابة إضافية أو ملحمة في السجلات أو المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اختتامها. ونحو ذلك إضافة بيان أو رقم في السجل العقاري بعد إنهاء تحريره أو اختتامه. بيد أنه إذا كان الغرض من الإضافة أو التعديل اللاحق هو تدارك خطا أو إصلاح غلط وقع فيه الموظف أثناء تحرير المحرر، فينتفي التزوير في هذه الحالة لتخلف عناصره، لأن بهذا الأخير لم يقصد هنا بفعله تغيير الحقيقة بل تأكيدها أما بالنسبة للتزوير المعنوي فهو تغيير للحقيقة في جوهر المحرر أو ظروف تحريره، ويرتكب أثناء كتابة المحرر الرسمي، وتكمن خطورة هذا التزوير - على خلاف التزوير المادي - في كونه يصعب عمليا اكتشافه وإثباته. وطبقا للفصل 353 ق ج فإن التزوير المعنوي يتحقق بإحدى الطرق الأربعة الأتية | كتابة الفاعل لاتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون في إثبات صحة وقائع يعلم الفاعل عدم صحتها في إثبات وقانع على أنها اعترف بها لديه أو حدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك. 4 حذف او تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها الجاني.

المحطه تغير الحقيقة المحرر، فينتقي الاضافة

وبخصوص طرق تزوير المحرر الرسمي الذي يرتكبه الأشخاص غير الموظفين - أو من في حكمهم فتشمل الطرق التالية | التزييف أو التحريف في الكتابة أو التوقيع د اصطناع اتفاقات أو تضمينات او التزامات أو إبراء، أو إضافتها في تلك المحررات بعد تحريرها 3 إضافة أو حذف أو تحريف الشروط أو التصريحات او الوقائع التي خصصت تلك المحررات لإثباتها أو الإدلاء بها 4 خلق أشخاص وهميين أو استبدال أشخاص بأخرين . وفضلا عن تغيير الحقيقة في محرر رسمي بإحدى الطرق السابق عرضها، يلزم أن يكون التزوير من شأنه أن يسبب ضررا. والملاحظ في هذا الخصوص، أن المشرع اعتد بعنصر الضرر على نحو من الإطلاق - وهذا خلافا لما هو مقرر بالنسبة لباقي الجرائم - سواء كان حالا محققا فعلا أو محقق الوقوع في المستقبل، أو كان "محتمل الوقوع"، حيث اورد عبارة " تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا". ومعلوم أن الضرر القابل للتعويض أمام القضاء المدني، وحتى أمام القضاء الجنائي - متى كان الضرر ناشنا عن الجريمة . هو الضرر المحقق، سواء كان حالا أو مستقبلا، ماديا أو معنويا (الفصل 98 ق.ل.ع). والذي حمله على ذلك على ما يبدو حرصه على ضمان حماية الثقة التي تتمتع بها المحررات الرسمية ، وصيانتها من كل مظاهر التحريف او التزييف، حتى ولو كانت آثارها السلبية غير محتلة الوقوع بالفعل. وبالنسبة للركن المعنوي للجريمة، فتزوير المحررات الرسمية جريمة عشية قوامها القصد الجنائي، وقد عبر الفصل 351 ق ج عن هذا العنصر "بسوء النية" وذلك للتأكيد على ضرورة توافر القصد الجنائي الخاص إلى جانب القصد الجنائي العام في نطاق هذه الجريمة بالذات. ومؤداه أن تكون لذا الجاني نية إجرامية مضمرة يستهدف بها تحقيق هدف معين من عملية التزوير، وذلك باستعمال المحرر المزور فيما زور من أجله ، ومن ثم الإضرار بالغير

ذا بخصوص الحماية التي يكفلها القانون الجنائي للمحررات الرسمية بصفة عامة من أي تزوير أو تحريف يحلالها. فما حظ الرسوم والمحررات العقارية تحديدا من الحماية الجنائية في إطار القانون المتعلق بالتحفيظ القاري؟ ثانيا: تغيير الحقيقة في الرسوم والمحررات العقارية في إطار قانون التحفيظ العقاري أفرد قانون14.07

المغير والمتمم لظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، مقتضيات زجرية تبقى محدودة على العموم تضفي الحماية على الرسوم والمحررات العقارية من أي تغيير أو تحريف وهكذا إذا تركنا جانبا المادة 105 من هذا القانون التي لا تتعلق بتزوير هذه الرسوم والمحررات تحديداء وإنما تجرم عملية هدم أو تحريف أو تحويل علامات الربط الجيوديزية أو أنصاب التحفيظ ، والمادة 105 مكرر التي تجرم القيام بعرقلة عملية التحديد التي يقوم بها موظفو وأعوان المحافظة العقارية في إطار المسطرة الإدارية للتحفيظ وهذه العرقلة أو المنع من إنجاز عمليات التحديد، تتم في معظم الأحوال من طرف جبران طالب التحفيظ الذين يرون أن الحدود المذكورة في مطلب التحفيظ تطال جزءا من عقاراتهم، أو أن العقار - موضوع مطلب التحفيظ - ليس في ملكية طالب التحفيظ ، فإن المادة الوحيدة و اليتيمة التي تكفل الحماية الجنائية للرسوم والمحررات العقارية تبقى المادة 104 من ق14.07 بفقرتيها الأولى والثانية


فالفقرة الأولى من هذه المادة تحيل على أحكام القانون الجنائي المتعلقة بتزوير المحررات التي تطبق على من يقوم على علم ويقصد جلب ربح غير مشروع لشخص أخر بتزوير أو تزييف أو تحريف الرسوم العقارية أو نظائرها أو القوانم أو الشهادات التي سلمها المحافظ على الأملاك العقارية، أو يستعمل مستندات مزورة او مزيفة أو محرفة على الكيفية المذكورة ومعلوم أن التزييف يقصد به التقليد أي اختلاق محرر أو رسم ، أما التزوير فيقوم. كما سبقت الإشارة إلى ذلك - على إدخال تغيير على البيانات التي يتضمنها المحرر او الرسم العقاري . والمهم أن تكون الغاية من تزوير أو تزييف الرسوم أو القوائم أو الشهادات التي سلمها المحافظ على الأملاك العقارية ، جلب ربح غير مشروع لشخص آخر، على نحو يلحق الضرر بمصالح المعنيين الحقيقيين بهذه الرسوم والمحررات . كما جرمت نفس الفقرة استعمال مستند مزور أو مزيف أو محرف ، وذلك اعتبارا لخطورة هذا الفعل ، وحتى لايترك سبيلا للتخلص من العقاب في هذه الجريمة إذ قد يقدم شخص آخر غير مرتكب التزوير أو التزييف على استعمال المحرر المزور، مما يستدعي متابعته حتى ولو لم يساهم أو يشارك في عملية التزوير أو التزييف ذاتها وبمقتضى الفقرة الثانية من نفس المادة (104)، فإن أحكام القانون الجنائي تطبق على من يقترف زورا في المحررات المقدمة بقصد التقيد أو التشطيب ، وذلك إما بتزييف أو تحريف كتابات أو توقيعات ، أو بخلق أشخاص وهميين ، أي وضع اشخاص خياليين لا وجود لهم أصلا قصد الإضرار بالأشخاص الحقيقيين كما قد يتم اهذا التزوير عن طريق اصطناع اتفاقات أو تصرفات أو إبراءات؛ أي إنشاؤها و اختلاقها بعد أن لم تكن موجودة من قبل ، أو إدراج ذلك في تلك السندات بعد تحريرها ، بإضافة او تزييف شروط او تصريحات أو وقائع كان غرض تلك المحررات أن تثبتها والملاحظ أن هذه الفقرة جاءت تقتصر على تزوير المحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب دون سواهما من المحررات. ثم إن المشرع أسهب - من خلال هذه الفقرة - في تعداد التصرفات والوقائع التي يمكن أن تكون محل تزييف او تحريف. فهناك "الشروط او التصريحات او الوقائع"، وهناك الاتفاقات آو التصرفات أو الإبراءات"، هذا فضلا عن الكتابات أو التوقيعات فجاءت بذلك هذه الفقرة غير دقيقة ومركزة كما يفترض أن تكون صياغة النصوص الجنائية المحور الثاني: محدودية الحماية الجنائية المقررة للرسوم والمحررات العقارية تتبدى محدودية الحماية الجنائية المقررة للرسوم والمحررات العقارية، سواء من حيث نطاق التجريم أو على مستوى العقوبات المقررة

أولا: على مستوى نطاق التجريم إن المقتضيات الجنائية التي تجرم تزوير المحررات بصفة عامة والرسوم والمحررات العقارية خاصة هي موزعة - كما سلف الذكر - بين القواعد العامة التزوير المحررات الواردة في القانون الجنائي، وهي مقتضيات لم تعرف تعديلا هاما يذكر منذ صدورها سنة 1962، أي منذ نصف قرن من الزمن، ومقتضيات زجرية أخرى تتعلق بتزوير وتزييف الرسوم والمحررات العقارية تضمنها مقتضی وحيد هو الفصل 104 من قانون14.07، الذي ظل وفيا في مضمونه وفحواه لنص الفصل 104 الأصلي من ظهير التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913 والذي مر على صدوره قرن من الزمان، تطورت خلاله وبشكل غير مسبوق أساليب وطرق تغيير الحقيقة، بموازاة مع الثورة التي أحدثها التكنولوجيا المعلوماتية، حيث أضحي التعامل مع الأجهزة والتقنيات المعلوماتية المعتمدة اساسا على الحواسب، يكتسح مجال الوسائل التقليدية كاستعمال الآلات الكاتبة مثلا ، وبات توثيق المحررات والشهادات العقارية أيضا يعتمد على هذه التقنيات الجديدة وكان من نتائج ذلك أن أصبح من اليسير تغيير الحقيقة وتحريفها عن طريق الإضافة أو التعديل أو الحنف، دون أن يترك ذلك أثرا ماديا تدركه العين، يكفي فقط التحكم في برمجة الحاسوب وازراره، ولم يعد الأمر يحتاج لجهد أو لمواد كيماوية أو أدوات خاصة تساعد في الأمعاء او الكشط أو طمس البيانات أو الأرقام كما كان متصورا عند صدور المجموعة الجنائية وهو ما يفرض مراجعة وتحيين هذه المقتضيات بموازاة مع التحولات والتطورات المتلاحقة التي عرفتها بلادنا في السنين الأخيرة في مجال التكنولوجيا المعلوماتية والملاحظ أن م104من قانون14.07، لم تضف جديدا يذكر على مستوى الحماية الجنائية للرسوم والمحررات العقارية مقارنة بنسختها الأصلية المعدلة -104من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بنظام التحفيظ العقاري ، اللهم حرص واضعي هذا النص على إعادة صياغة ماورد في النص الأصلي على نحو أكثر اتزانا ودقة مقارنة بالترجمة العربية للنص الفرنسي الأصلي ،والموسومة بالركاكة وعدم الثقة . ولذلك حرصت المادة الجديدة المهنية والمنقحة للصيغة الأصلية لنص المادة 104 ، على الإستعاضة عن مفاهيم ومصطلحات باخرى لا أقل ولا أكثر دونما إضافة لأحكام جديدة تذكر؟ وهكذا فقد جاءت الفقرة الأولى من المادة 104 في حلتها الجديدة تنص

على "التزييف أو التحريف" بدل التقليد أو الإفتعال ، وعلى الرسوم العقارية أو نظائرها" بدل رسوم الملكية أو النسخ ، وعلى "المستقدات" بدل الحجج .. ومن جهتها فقد حرصت الفقرة الثانية من نفس المادة على إعادة صياغة وترتيب طرق تغيير الحقيقة التي تنصب أساسا على المحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب ، فحرمت "تزييف أو تحريف كتابات أو توقيعات "، بينما كانت م104في فقرتها الثانية تنص

في ترجمتها الأصلية على تقليد الكتابة أو الإمضاء أو تغيير هما " كما كانت تنص على تقديم شخص دون الشخص الحقيقي"، بينما جاءت الصيغة الجديدة تنص على " خلق أشخاص وهميين"، كما تمت الاستعاضة عن "اختلاق الإتفاقات أو الشروط أو البراءات ب "اصطناع اتفاقات أو تصرفات أو إبراءات"، كما أدرجت "السندات" بدل الحجج ، و"التقييد "بدل التضمين ، و"إضافة"شررط بدل زبادة الشروط نحن إذن أمام إعادة تركيب وتوظيف الكلمات وتهذيبها وترتيبها أكثر من أي تعديل جوهري حقيقي للنص الأصلي ثم إن بعض طرق تغيير الحقيقة، سواء تعلقت بالمحررات الرسمية بصفة عامة أو بالرسوم والمحررات العقارية بخاصة، جاءت متداخلة الدلالة إلى حد كبير يعتريها قدر من الإطنام والتكرار، وهو ما تقف عنده عند استقرائنا لنصوص واردة في صلب المجموعة الجنائية تتعلق أساسا بطرق التزوير المادي والمعنوي للمحررات الفصلان 352 و 353 ق ج)، وأيضا في إطار الفقرة الثانية من الفصل 104 من قانون 14.07، التي تتحدث عن التزييف أو التحريف في الكتابات أو التوقيعات الواردة في المحرارات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب، ثم تنص مرة أخرى على إضافة أو تزييف شروط أو تصريحات أو وقائع...مع أن عبارة "التحريف" تشمل الإضافة إلى غيرها من طرق تغيير الحقيقة التي لم يشر إليها النص، "كالحذف أو التعديل" وهي طرق شانعة وعلى المستوى العملی، الملاحظ أن القضايا المرتبطة بتزوير المحررات الرسمية بصفة عامة بما فيها الرسوم والسحررات العقارية تبقى محدودة مقارنة بصور أخرى لتغيير الحقيقة؛ كتزوير الوثائق الإدارية والسندات وتزوير الأوراق العرفية أو التجارية مثلا ففي إحصائيات صادرة عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو ، فقد بلغ عدد قضايا جرائم والتزييف والانتحال الرائجة بمحاكم المملكة خلال العشرية الأخيرة (2002 - 2012)، حوالي 57181 قضية بمعدل سنوي ناهز 5718 قضية. وقد بلغ عدد قضايا تزوير المحررات الرسمية أو العمومية، 2968 قضية، في حين بلغ عدد قضايا تزوير الوثائق الإدارية والسندات ما مجموعه 19891 قضية، وبلغ عدد قضايا تزوير الأوراق العرفية أو التجارية 6531 قضية والواقع أن محدودية عدد القضايا المرتبطة بتزوير المحررات الرسمية بصفة عامة، لا يرجع بالضرورة إلى تراجع وتقلص هذه الجرائم مقارنة بالجرائم الأخرى المخلة بالثقة العامة. فرسائل الإعلام - لاسيما المكتوبة منها - ما فتئت تطلعنا من مناسبة لأخرى - سيما في الشهور الأخيرة - عن قضايا رائجة أمام المحاكم تتعلق بتزوير المحررات الرسمية واستعمالها ، وبتزوير رسوم التحفيظ العقاري باستخدام أجهزة وأدوات معلوماتية متطورة بيد أن تجريم تزوير الرسوم والمحررات العقارية وكل مظاهر تغيير الحقيقة فيها، لا يكفي لوحده لكفالة الحماية اللازمة لهذه المحررات، بل ثمة أفعال لا تقل خطورة عن تغيير الحقيقة تستهدف هذه المحررات وتلحق الأذى باصحاب الحقوق العينية العقارية، ويكون الغرض منها حصول الفاعل على منفعة مالية له أو لشخص آخر، كالنصب والاحتيال مثلا فالمشرع الجنائي المغربي من خلال الفصل 540 في ج، لم يقصر موضوع جريمة النصب على المنقولات، وإنما يمكن أن يتعلق بالإضافة إلى ذلك بحقوق عينية عقارية ولكي تعد الطرق احتيالية يجب أن يكون من شأنها التأثير على المجني عليه وإيهامه بأمور على غير الحقيقة، وذلك بقصد حصول الجاني على منفعة مالية له أو لشخص أخر، على نحو يمس بالمصالح المالية للمحتال عليه، كمن يتحايل على أخر بإحدى وسائل النصب، فيبيعه أرضا نزعت ملكيتها دون أن يخبره بذلك. والمهم أن تكون وسائل الاحتيال هي التي دفعت الضحية " المحتال عليه" إلى القيام بعمل يضر بمصالحة المالية ثم إن الحماية الجنائية اللازمة للمحررات والرسوم العقارية لا تكمل إلا إذا كان الموظفون العموميون الذين يتولون إنجازها وتحريرها على قدر كبير من النزاهة والأمانة والمسؤولية، غير ناظرين إلى وساطة أو توصية من أحد، يؤدون عملهم للجميع دونما تفرقة أو محاباة أو مجاملة، لا يتلقون رشوة من أحد ولا يسخرون نفوذهم لمصلحة أحد ولا ريب أن الموظف العمومی - گالمحافظ على الأملاك العقارية والموظفون العاملون تحت إشرافه - الذي لا يجد غضاضة في الاتجار بوظيفته، لا يكون جديرا بحمل صفة موظف عمومی، ولا أهلا لثقة المواطنين. وهذا بقدر ما يزعزع ثقة هؤلاء في نزاهة الجهاز الإداري ومؤسسات الدولة، فإنه يفقدها مصداقيتها، ويحط من هيبة واحترام موظفيها، كما أنه يحمل بعض المواطنين عديمي الضمير إلى الاعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خلال موظفيها، وهذا من أخطر ما قد يصيب الجهاز الإداري في دولة من الدول كلها أفعال تمس بالثقة اللازمة في المحررات والرسوم العقارية وبنزاهة القائمين عليها وكان حريا بالمشرع أن يتصدى لها بكل بحزم وفعالية على النحو الذي يكفل حمايتها ويحصتها من كل مظاهر العبث والمس بمصداقيتها وبالثقة اللازمة فيها ثانيا: على مستوى العقوبات المقررة الملاحظ في هذا الصدد أن المادة 104 من قانون 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، اكتفت بالإحالة على أحكام القانون الجنائي فيما يخص العقوبات المقررة لأفعال التزوير أو التزييف أو تحريف الرسوم العقارية او القوائم أو الشهادات التي يسلمها المحافظ على الأملاك العقارية أو استعمال مستندات على هذا النحوه وكذا في حال تزوير المحررات المقدمة بقصد التقييد او التشطيب

ومعلوم أن العقوبات المنصوص عليها في المجموعة الجنائية هي متعددة تتفاوت نوعا ومقرا، شدة وتخفيفا، بالنظر إلى صفة الأشخاص المرتكبين لجريمة تزوير المحررات الرسمية فهي مشددة مئی تعلق الأمر بموظف عمومي أو قاض أو موثق او عدل، والعقوبة المقررة بالنسبة لهؤلاء في السجن المؤبد الفصلان 352 و 354 ق ج)، أما التزوير الصادر عن غير الموظف فيعاقب عليه بالسجن من عشر إلى عشرين سنة هذا فضلا عن عقوبات أخری۔ مخففة على العموم . نهم صورا خاصة من التزوير. ويتعلق الأمر بتزوير بعض الوثائق والشهادات الإدارية التي تصدرها الإدارات العامة إثباتا لحق أو هوية أو صفة أو منح ترخيص ، والعقوبة المقررة في هذه الحالة هي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 1500 درهم (الفصل 360 ق ج) وقد كان حريا بالمشرع أن يحدد بدقة العقوبات الخاصة بتزوير أو تزييف الرسوم والشهادات العقارية، رفعا لأي لبس بهذا الخصوص ثم إن عقوبة السجن المؤبد المطبقة في حال ارتكاب الموظف العمومي - ومن في حكمه - لجريمة تزوير المحررات الرسمية بصفة عامة، تبدو مشددة للغاية في اعتقادنا نساوي في شدتها وصرامتها العقوبة المقررة لجناية القتل العمد (ف 392 ق.ج) وهذا المنحى المتشدد لم ينهجه المشرع الجناتي في مواجهة جرائم أخرى مخلة بالثقة العامة يرتكبها هؤلاء الموظفون لا تقل بطبيعتها خطورة ودناءة عن تزوير المحررات الرسمية كجريمتي المرتشي واختلاس وتبديد الأموال العامة، وهذا حتى في حال اقترانها بظرف مشدد؛ كما في الحالة التي تكون فيها قيمة المقابل في الرشوة تفوق 100 ألف درهم، حيث لا تتجاوز العقوبة في هذه الحالة عشر سنوات والغرامة 100 ألف درهم (الفقرة الأخيرة من الفصل 248 في ج) وبالنسبة لجريمة اختلاس الأموال العامة - بما تنطوي عليه من خيانة وتبديد للأموال واستغلال الوظيفة العمومية - فالعقوبة المرصودة في حال التشديد في السجن من خمس إلى عشرين سنة وغرامة تتراوح ما بين 500 و 100 ألف درهم، تطبق متى كانت قيمة الأشياء المبددة أو المختلسة أو المحتجزة أو المخفاة تساوي أو تزيد عن 100 ألف درهم( الفصل 241 ق ج) وبالنسبة لجريمة الغدر تصل العقوبة المشددة لها إلى عشر سنوات والغرامة إلى 200 ألف درهم، منی كان المبلغ غير المستحق الذي تلقاه أو فرضه أو أمر بتحصيله الموظف العمومي أو القاضي يفوق 100 ألف درهم ( الفصل 243 / فقرة أخيرة من ق ج) كلها أفعال تم بالثقة العامة وبمصداقية مؤسسات ومرافق الدولة، ونزاهة القائمين عليها الذين يعتبرون سواعد الدولة والأمناء على مصالح المواطنين. حيث تعامل معهم المشرع الجنائي بقدر من المرونة على مستوى العقاب، حتى في حال اقتران أفعالهم بظروف تشديد، مقارنة بالموظفين الذين يعمدون إلى تغيير الحقيقة في المحرارات الرسمية، وكان حريا بالمشرع أن يتعامل مع هؤلاء بنفس النهج الذي اتبعه إزاء الموظفين المرتشين وناهبي المال العام، مع فسح المجال التطبيق جزاءات اخرى غير جنانية بالضرورة کالعقوبات الإدارية والمالية والحاصل من كل ماسبق ، فقد أضحت مراجعة وتحيين المقتضيات الزجرية المتعلقة بتغيير الحقيقة في المحررات عموما كما وردت في المجموعة الجنائية لسنة 1962، وفي الرسوم والمحررات العقارية كما تضمنتها المادة 104 من قانون14.07 ، التي تجد إطارها المرجعي الأصلي في ظهير 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي مر على صدوره قرن من الزمن . أمر في غاية الأهمية والحيوية، في مغرب الألفية الثالثة الذي شهد تحولات عميقة سيما على مستوى التكنولوجيا المعلوماتية والرقمية، وهي مراجعة يتعين أن تندرج في إطار سياسة جنائية هادفة، رصينة ومحكمة، سواء على مستوى التجريم أو العقاب.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة